فصل: مسألة المقارض يعمل بالمال وله مال لا تجب فيه الزكاة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة بعث بعشرة دنانير إلى مكة ليشترى له بها كسوة لعياله فحلت زكاته:

وسئل: عن رجل بعث بعشرة دنانير إلى مكة ليشترى له بها كسوة لعياله، فحلت زكاته وحل حولها- قبل أن يشترى بها؛ أعليه زكاتها؟ قال: نعم يزكيها.
قال أصبغ: وذلك إذا لم يكن أشهد عليها لمن أمر أن يشتري له بها، فإن أشهد، خرجت من ماله؛ لأنه لو مات قبل رجوعها، كانت ثابتة لمن أشهد له، فلا زكاة فيها؛ قال: وسألناه عن رجل حال الحول على ماشيته، فلم يأته الساعي فعزل لعياله ضحايا وقسمها، ونحو هذا، ثم جاءه الساعي يوم النحر قبل الذبح؛ قال: إن كان أشهد عليها، فلا زكاة عليه فيها، وإن كان لم يشهد ففيها الزكاة، أنظر أبدا ما كان لو مات كانت ثابتة لمن جعلها له، فلا زكاة عليه فيها، وكل ما لو مات لم يكن لمن جعلها له فهي مال من ماله، فيها الزكاة.
قال أصبغ: فالأول مثل هذا- وهما سواء وقال أبو زيد: عن ابن القاسم مثله.
قال محمد بن رشد: وجه تفرقة ابن القاسم بين المسألتين ظاهر، وقوله في المسألة الأولى أصح من قول أصبغ؛ لأن تفرقة زكاة العين إلى صاحبه فهو مصدق فيما يذكره مما يسقط عنه الزكاة فيها؛ لأنها موكولة إلى أمانته؛ فإن قال: إن الدنانير التي بعث بها ليشتري بها كسوة لعياله كان قد بتلها لها، لم يكن عليه فيها زكاة: أشهد، أو لم يشهد؛ لأن ذلك فيما بينه وبين الله.
وإن قال: إنه لم ينو تبتيلها وجبت عليه زكاتها؛ لأنها باقية على ملكه- وإن بعث بها ليشتري بها ثوبا لامرأته؛ لأن ذلك- من ناحية العدة، فله أن يرجع فيها ما لم يوجبها على نفسه بالإشهاد، وأما مسألة الغنم، فللساعي ألا يصدقه فيما يدعيه فيها مما يسقط زكاتها الواجبة عليه فيها، لحلول الحول، وقد اختلف إذا ادعى بعد الحول أنه كان تصدق بها قبل الحول على ما في أول سماع ابن القاسم من كتاب زكاة الماشية.

.مسألة يتسلف مالا فيشتري به سلعة وذلك قبل حلول حوله بشهرين:

مسائل نوازل سئل عنها أصبغ:
قيل لأصبغ: ما تقول في الرجل يتسلف مالا فيشتري به سلعة، وذلك قبل حلول حوله بشهرين أو ما أشبهه، أو لا يشتري به سلعة فيحول عليه الحول؛ أيزكيه- إن كان ناضا، أو يقوم ما اشترى به من السلع، فيزكيها مع ما يزكي من ماله؟ قال أصبغ: هو كسائر ماله- إن كان له وفاء بدينه زكاه مع ماله إذا خلطه بماله، وجرت فيه التجارة قبل الحول؛ زكاه عند الحول- إن كان له وفاء غيره- إذا لم يدر، فإن كان يدير قوم عرضه مع ماله- إن كان له وفاء أيضا بدينه- وإن اشترى به، ولم ينض عند الحول.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة مخالفة لأصولهم؛ لأن الذي تسلف كالفائدة، فلا زكاة عليه فيه حتى يحول عليه الحول من يوم تسلف وله به وفاء؛ ولا اختلاف بينهم في هذا، وإنما اختلفوا إذا حال عليه الحول، وله به وفاء لم يحل عليه الحول؛ هل يزكيه الآن، أو حتى يحول الحول على الوفاء الذي له به على ما مضى من الاختلاف في ذلك في رسم استأذن وغيره من سماع عيسى، وكأنه تأول أنه لما تسلف السلف على ما بيده، كان كأنه منه، وذلك فاسد؛ وقد تأول بعض الناس أن الشراء هو الذي كان قبل حلول حوله بشهرين، أو ما أشبه ذلك وأن السلف قد كان من أول الحول، وهو تأويل بعيد لا تستقيم به المسألة، لقوله: زكاه مع ماله إذا خلطه بماله وجرت فيه التجارة قبل الحول، إذ لو كان السلف من أول الحول لوجبت عليه فيه الزكاة بحلول الحول إذا كان له به وفاء خلطه بماله وجرت فيه التجارة أو لم يخلطه به ولا جرت فيه التجارة.

.مسألة المقارض يعمل بالمال وله مال لا تجب فيه الزكاة:

قيل لأصبغ: أرأيت المقارض يعمل بالمال سنة فيفاصل صاحبه ويقبض حصته من الربح- وله مال لا تجب فيه الزكاة، وقد حال عليه الحول، إلا أنه إذا جمع إلى ما ربح في القراض صار به ما يجب في مثله الزكاة، هل يضمه إلى ربح هذا القراض، فيزكيه معه؟ قال: لا يكون له أن يضمه إلى فائدة إن كانت عنده لم يجب فيها شيء، ولهذه يستدل على المساقي يصير في حصته من التمر وسقان، ويجد من نخله ثلاثة أوسق، أن عليه أن يزكي ما صار له، فهذه وتلك سواء على العامل أن يزكي ما صار له واجب، فلما كان ذلك عليه لم يضف إلى غيره، وكان هذا بزكاته وسنته، وهذا بزكاته وسنته.
قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة لأصبغ في نوازله من كتاب القراض أيضا بزيادة ألفاظ فيها بيان، ومراده في الموضعين أن المقارض لا يضم ما له من مال قد حال عليه الحول ولا يبلغ ما تجب فيه الزكاة- إلى ما ربح في القراض فيزكيه مكانه- إن كان يبلغ بإضافته إليه ما تجب فيه الزكاة- وإن كان قد زكى الربح، ولكنه يضيفه إليه ويستقبل به حولا، كما أن المساقي إذا صار له من التمر في حصته وسقان، وجد من نخل له ثلاثة أوسق، لا يضيف الثلاثة الأوسق إلى الوسقين فيزكيها، وإنما يزكي الوسقين خاصة- إذا كان لصاحب الحائط ما إذا أضافه إلى الوسقين وجبت فيه الزكاة؛ وهذا ما لا أعلم فيه نص خلاف؛ لأن الربح إنما يزكيه العامل في القراض على ملك رب المال، وكذلك حظه من تمر الحائط في المساقاة، إنما يزكيه على ملك رب الحائط؛ ألا ترى أنه يزكي حظه من الربح، وحظه من تمر المساقاة- وإن كان لا يبلغ ذلك ما تجب فيه الزكاة؛ فوجب ألا يضيف إلى ذلك ما يزكيه على ملكه، وأن يكون يفرق هذا على سنته، وهذا على سنته؛ وقوله: فهذه وتلك سواء على العامل أن يزكي ما صار له واجب، أي عليه أن يزكي ما صار له من الثمن في المساقاة بإضافته إلى ما صار لصاحب الحائط، فلما كان عليه أن يزكي ذلك، وإن كان لا يبلغ ما تجب فيه الزكاة، لم يضف إلى ذلك الثلاثة الأوسق، ولا كان عليه فيها زكاة، وكان هذا على سنته، وهذا على سنته.

.مسألة أعتق من زكاة ماله عن المسلمين رقبة لا تجوز في الرقاب أعليه بدلها:

قيل لأصبغ: فلو أعتق رجل من زكاة ماله عن المسلمين رقبة لا تجوز في الرقاب، أعليه بدلها؟ قال: نعم عليه بدلها من أجل أن الإمام لو كان هو المعتق، لم يكن ليعتق عن المسلمين كافرا ولا ذميا؛ وإنما يعتق عنهم من يستعاض بولائه من ثمنه، ويكون رغبة وثروة وزيادة؛ قيل له: فلو اشترى مدبرا أو مكاتبا فأعتقه، أيجزئ أم لا- وهو الآن لا يرده إلى ما كان عليه، وقد بطل ما كان فيه وصار عتيقا، وصار ولاؤه للمسلمين؟ قال أصبغ: أما قول مالك الأول حين كان يقول: يرد ذلك ولا يجوز، فهو لا يجزئه، وأما قوله الذي رجع إليه حين قال ذلك جائز، ويمضي العتق، فهو يجزئه؛ لأن ذلك العيب الذي كان يكره قد زايله وخرج منه، ولكن أحب إلي أن لو أبدله من غير وجوب.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال: أنه لا يجوز للرجل أن يعتق من زكاته إلا رقبة تجوز في الرقاب؛ لأن اللفظ في ذلك سواء في القرآن، ولا يجوز للرجل أن يعتق في شيء من ذلك مكاتبه ولا مدبره ولا أم ولده؛ فأما إن اشترى مكاتبا أو مدبرا لغيره، فأعتقه؛ فذلك جار على ما ذكر من اختلاف قول مالك، وسواء عندي اشتراه- وهو يظنه عبدا، فدلس له بذلك البائع، أو اشتراه وهو يعلم أنه مكاتب أو مدبر، يدخل في ذلك الاختلاف المذكور إذا اشتراه من زكاة ماله فأعتقه، وأما إذا اشتراه في رقبة واجبة عليه فأعتقه، فإن كان عالما فلا ينبغي أن يجزيه؛ لأن ذلك بمنزلة شرائه إياه بشرط العتق، وإن كان لم يعلم، وإنما دلس له بذلك البائع، جرى ذلك على الاختلاف المذكور، يبين ذلك ما وقع من الاختلاف في ذلك في سماع أصبغ من كتاب الوصايا، ومن كتاب العتق، فقف على ذلك وتدبره؛ وما وقع في رسم صلى نهارا ثلاث ركعات من سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات من إجازة شراء المدبر ابتداء في الزكاة، يحتمل أن يكون معناه أن المدبر كان بيع في موضع يجوز بيعه فيه- والله أعلم، وبه التوفيق.

.مسألة له دار فباع الطعام كله بثلاثين دينارا أكان يضع عنه ذلك الزكاة:

من سماع أبي زيد بن أبي الغمر من ابن القاسم:
قال أبو زيد: سئل ابن القاسم عن رجل ابتاع طعاما بمائة دينار وحمله إلى بلد بثلاثين دينارا، فلزمه الكراء فباع منه بثلاثين دينارا للكراء، وحبس ما بقي؛ قال: عليه أن يزكي تلك الثلاثين دينارا، وأن ما باع من الطعام بمنزلة أن لو كان له دار، فباع الطعام كله بثلاثين دينارا في دين عليه لكراء أو غيره؛ أكان يضع عنه ذلك الزكاة؟ فأرى الزكاة عليه؛ لأن ما بقي من طعامه فيه وفاء لدينه، بمنزلة الدار؛ فإذا باع الطعام، لم يكن عليه زكاة في الثلاثين دينارا التي كانت عرضا لديه؛ وما باع به أكثر من ذلك، زكاه مع الثلاثين التي زكاها أولا التي قضى- وإن كان الذي يفضل عن الثلاثين أقل مما فيه الزكاة؛ لأنها من الأولى.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه يزكي الثلاثين دينارا التي باع للكراء، ويجعل الدين الذي عليه للكراء فيما بقي من الطعام، صحيح؛ لا خلاف فيه؛ لأن الطعام قد حال عليه الحول، فلا يدخل في ذلك من الخلاف ما يدخل في الذي عليه مائة دينار دين، وله مائتان حل حول إحداهما، ولم يحل حول الأخرى؛ ولا يكون له أن يجعل الدين الذي كان عليه للكراء فيما باع من الطعام، فلا يزكيه كما يكون له أن يجعل المائة التي عليه في المائة التي حال حولها، فلا يزكيها على الصحيح من القولين في ذلك؛ وأما قوله: فإذا باع الطعام لم تكن عليه الزكاة في الثلاثين دينارا التي كانت عوضا لدينه، فيتخرج ذلك على قولين؛ أحدهما: هذه أنه لا يزكي الثلاثين دينارا التي كانت وفاء للدين الذي كان للكراء عليه، حتى يحول الحول عليها من يوم سقط دين الكراء عنها؛ وهذا يأتي على ما في رسم استأذن من سماع عيسى في الذي يفيد فائدة، وعليه دين يستغرق ما بيده، أنه لا يزكي ما بيده حتى يحول الحول على الفائدة من يوم أفادها؛ وعلى ما في المدونة لمالك فيمن كان بيده مال وعليه دين مثله، فوهب له بعد أن حال الحول على ما بيده، أنه لا زكاة عليه فيها بيده حتى يحول عليه الحول من يوم سقط الدين عنه، والقول الثاني: أنه يزكي جميع ثمن ما بقي من الطعام بعد ما باع منه الدين ساعة بيعه قرب ذلك أو بعد، لسقوط الدين عنه، وهذا يأتي على قول غير ابن القاسم في المدونة، وعلى ما يلزم ابن القاسم على أصله في مسألة رسم العرية من زكاة المائة الثانية إذا حل عليها الحول، وجعله الدين في المائة التي كان زكاها، وهذا تفسير معنى قول ابن أبي زيد في النوادر عقب هذه المسألة، وهذا على قول من قال في المائتين حولهما مختلف، وعليه مائة يزكي مائة واحدة؛ ولو كان له عروض سوى الطعام تفي بالثلاثين دينارا، لزكى جميع ثمن الطعام قولا واحدا، ولو كان مديرا لقوم جميع الطعام إذا حال عليه الحول، فأسقط منه الثلاثين التي عليه للكراء، وزكى الباقي- إن لم يبعه، ولم يكن في ذلك كلام، ولا اختلاف؛ فهذه المسألة يفترق فيها حكم المدير من غير المدير؛ لأن غير المدير يزكي الثلاثين مرتين على ما ذكرناه من أحد القولين، وأما مسألة رسم العرية من سماع عيسى، فمن قال: إن حكم المدير يختلف فيها من غير المدير فقد أخطأ- وبالله التوفيق.

.مسألة أخرج زكاة ماله فسقطت منه ثم وجدها وقد أعدم وعليه دين:

وقال: في رجل أخرج زكاة ماله، فسقطت منه، ثم وجدها وقد أعدم وعليه دين؛ قال: لا يكون لأهل الدين فيها شيء.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال أنه ليس لأهل الدين فيها شيء، لأنها للمساكين؛ إلا أن يكون قد أداها إليهم لما تلفت، فتكون إذا وجدها لأهل دينه- وبالله التوفيق.

.مسألة يدير بعض ماله ولا يدير بعضه كيف يزكيه:

من مسائل سئل عنها عيسى بن دينار:
قال عيسى بن دينار في الذي يدير بعض ماله، ولا يدير بعضه، ولكن يشتري به السلعة فتربص بها النفاق، ولا يشتري به شيئا، وقد أخرج من ماله صدرا سواه يديره، قال: إن كان الذي يدير هو الأقل، والآخر الأكثر، فليزك الذي يدير على الإدارة، والآخر على غير الإدارة؛ وإن كان الذي يدير هو الأكثر والآخر الأقل، فليزكه كله على الإدارة؛ وسئل أصبغ، فقيل له: الرجل يدير صدرا من ماله النصف أو الثلثين، وسائر ماله بحاله لا يحركه، أو لعله أن يشتري به الأنواع من التجارة، يرتصد بها الأسواق في أيامها، أو يكون له المال فيسلف رجلا نصفه، ويتجر بنصفه على حال الإدارة؛ فيقيم الدين على حاله، هل يزكيه كله زكاة الإدارة؟ قال أصبغ: إن كان حين شغل ما شغل للإدارة، إنما أبقى الباقي عنده لمثل ذلك إن رأى ذلك، فليزكه زكاة الإدارة، وإن كان حين شغل ما شغل على عزم أن الباقي لا يدخله في الإدارة أبدا ولا حاجة له بذلك، ولا نواه، فليزك الذي شغل على الإدارة والآخر على سنته.
قال محمد بن رشد: في الواضحة لمطرف وابن الماجشون: إن المالين كانا متناصفين، زكي كل مال منهما على جهته، وإن كان أحدهما أكثر فللأقل حكم الأكثر، وقد تأول ابن لبابة ما في المدونة على أنهما يزكيان جميعا على الإدارة- كان الذي يدار هو الأقل أو الأكثر، وهو ظاهر ما مضى في سماع أصبغ قبل هذا؛ فهذه أربعة أقوال، والقياس أن يزكي كل مال على سنته، كانا متناصفين أو أحدهما تبعا لصاحبه؛ لأن الأصل في عروض التجارة ألا زكاة فيها حتى تباع، إذ لا زكاة إلا في الحرث، والعين، والماشية، فلما كان الذي يدير ماله، لا يقدر على أن يحفظ أحواله، أمر أن يجعل لنفسه شهرا من السنة، فيقوم فيه ما عنده من العروض ويضيفه إلى ما بيده من المال، فيزكي جميع ذلك؛ فإذا كان للرجل مالان يدير أحدهما ولا يدير الآخر، وجب أن يزكي الذي لا يدير على سنة التجارة، لكونه قادرا على حفظ أحواله، والذي يدير على سنة الإدارة، لكونه غير قادر على حفظ أحواله، وقول عيسى بن دينار إنه إذا كان الذي يدير هو الأكثر، زكاه كله على الإدارة، استحسان واحتياط للمساكين على غير قياس؛ لأنه إذا زكى ما لا يدار- وإن قل- على سنة الإدارة، فجعل مخرجا لزكاة العرض قبل بيعه، ولزكاة الدين قبل قبضه، وقد قال ابن القاسم في المدونة: أما من فعل ذلك لم يجزه، وكان كمن أدى زكاة ماله قبل أن يحول عليه الحول، وظاهر معنى المدونة وسماع أصبغ من أنه يزكي المالين جميعا على الإدارة- وإن كان الذي يدار هو الأقل- إغراق في الاستحسان، وقول أصبغ قريب منه في الاستحسان؛ لأنه يزكيهما جميعا في مذهبه على الإدارة- وإن كان الذي يدار هو الأقل، إلا أن يكون ما أبقى منه ولم يدخله في الإدارة، أبقاه على عزم أنه لا يدخله في الإدارة، وأما قول مطرف وابن الماجشون: إن الأقل تبع الأكثر، فهو كلام خرج على غير تدبير ولا تحصيل، إذ لا يستقيم أن يزكي ما يدار على غير الإدارة، كما يستقيم أن يزكي ما لا يدار على الإدارة؛ لأن الذي يدير يبيع ويشتري، وغير المدير يزكي- إذا باع، إلا أن يكون معناه في الذي يبيع العروض بالعروض، ولا ينض له ما تجب فيه الزكاة؛ وفي قول عيسى بن دينار لفظ فيه نظر، وهو قوله أولا يشتري به شيئا؛ لأن العين ما لم يشتري به شيئا، فحكمه حكم المدار في أنه تجب زكاته في كل عام؛ ومثله قول أصبغ وسائر ماله بحاله لا يحركه، فتدبر ذلك، وقف عليه، وبالله التوفيق.

.كتاب زكاة الماشية:

.تصدق على ابن له بغنم فحازها هل يضمها إلى غنمه في الزكاة:

من سماع ابن القاسم من كتاب أوله شك في طوافه:
وسئل عن رجل تصدق على ابن له بغنم فحازها له ووسمها وجعلها في غنمه، فهي إن ضمها مع غنمه كان فيها شاتان، وإن أفردها لم يكن فيها إلا شاة واحدة، أترى أن يضمها مع غنمه؟ قال: لا أرى أن يضمها معها؛ قال: قلت: أرأيت لو ضمها- وقال للمصدق إذا جاءه: ليس لي منها إلا كذا وكذا، وسائرها تصدقت به على ولدي؛ أفترى للساعي أن يقبل قوله ويصدقه، قال: نعم، يصدقه إذا كانت على صدقته بينة.
قال سحنون: لم يصدقه إذا قال إن كانت على صدقته بينة- ولم يكن في كتابه، وإنما هو في رواية عيسى.
قال محمد بن رشد: معنى قوله: يصدقه إذا كانت على صدقته بينة، أنه يصدق على تعيين الغنم المتصدق بها- إذا شهدت له بينة على الصدقة، ولم تعينها، وظاهر قول سحنون أنه مصدق، وإن لم تكن له بينة أصلا، وهو استحسان في الزكاة على غير قياس في الحقوق؛ لأنه قد أقر أن الغنم كانت له وادعى من صدقته بها على ابنه ما يسقط عنه الزكاة في غنمه، واختلف في تصديقه: فقيل بيمين، وقيل بغير يمين، وقيل: إن كان متهما أحلف، وإلا لم يحلف، وقد تؤول أن ذلك ليس باختلاف، وأن القول الثالث يبين القولين الأولين، فيرجع الأمر إلى ألا يحلف إلا المتهم، وهذا التأويل صحيح فيمن ظهر له مال- وادعى ما يسقط الزكاة عنه فيه؛ وأما من لم يظهر له مال- وادعى عليه الساعي أنه غيب ماله، فإن كان ممن لا يتهم، لم يحلف باتفاق؛ وإن كان ممن يتهم، فقيل: إنه يحلف، وقيل: إنه لا يحلف- وهي رواية ابن أبي أويس عن مالك؛ والدليل على وجوب تحليف من اتهم في زكاته- وإن كانت الزكاة من حقوق الله التي تعد عبادة؛ ما روي «عن ابن عباس في قَوْله تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتحنة: 10].
قال: كانت المرأة- إذا أتت النبي- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لتسلم، حلفها بالله عز وجل ما خرجت من بغض زوجها؛ وبالله ما خرجت رغبة بأرض عن أرض، وبالله ما خرجت التماس دنيا، وبالله ما خرجت، إلا حبا لله ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم»
.
ولو ادعى أنه تصدق بها على ابنه بعد أن حال عليها الحول قبل أن يأتيه الساعي، كان للساعي ألا يصدقه، ويأخذ منه الزكاة، إلا أن يقيم على ذلك بينة على ما في سماع أصبغ قولا واحدا.

.مسألة الأسنان المحدودة للأخذ في الزكوات:

قال مالك: حدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن: «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث رجلا مصدقا، فأتى إلى رجل، فإذا عليه بنت مخاض، فقال: والله ما كنت أول من أعطى ما لا يحلب ولا يركب، فأعطى كبيرة، فأبى أن يأخذها، وقال لم أؤمر بذلك، فأقبل الرجل مع الذي بعثه النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ إلى النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، فذكر للنبي الذي عرض عليه، فأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأخذها منه، قال: ودعا له النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ بالبركة في إبله؛ قال: فنمت وكثرت» قال: فإنه ليعرف فيها دعوة النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ إلى اليوم.
قال محمد بن رشد: في هذا الحديث أن الأسنان المحدودة للأخذ في الزكوات، ليست بحد لا يزاد عليه ولا ينقص منه، كعدد ركعات الصلوات؛ وإنما هي حد في أن لا يؤخذ من أحد فوقها إلا برضاه، وهذا ما لا خلاف فيه- وبالله التوفيق.

.مسألة لا يرد عليه الساعي لبعده من موضع مياه الناس:

ومن كتاب أوله حلف بطلاق امرأته:
قال: وسئل عمن لا يرد عليه الساعي لبعده من موضع مياه الناس التي يجمعون عليها مواشيهم للسعاة، فهم لا يجلبون على الساعي، والساعي لا يأتيهم؛ قال: أرى عليهم أن يجلبوا إلى المدينة ما عليهم من الزكاة، فقيل له: إنها ضعاف، ويخاف عليها أن تنكسر، وليس مثلها يجلب؛ وإن انكسر منها شيء، تكلفت مرة أخرى؛ قال: لابد من جلبها، أو يصطلحون على قيمتها؛ قلت: أرأيت إن جلبوها، فقال الساعي: ليس فيها وفاء؛ قال: لا ينظر إلى قوله، وينظر في ذلك؛ فإن كان ما جلبت فيها وفاء، وهي مما تجوز في الصدقات، أخذت منك، قال: إنه يعتل علي ويقول: إن السن قد يكون واحدا، وبينهما في القيمة دنانير.
قال: إذا جلبت ما يجوز في الصدقة- وفيه وفاء قبل منك، ولم ير بالقيمة في مثل هذا أن يشتري صدقته بقيمتها بأسا.
قال محمد بن رشد: إنما وجب عليهم أن يجلبوا إلى المدينة ما عليهم من الزكاة، لبعدهم بمواشيهم عن موضع مياه الناس التي يجتمعون عليها بمواشيهم إلى حيث لا تمر إليه السعاة؛ لأن السنة أن يخرج السعاة إلى حيث يجتمع الناس بمواشيهم على مياههم، ولا يلزمهم أن يتبعوا من بعد بماشيته، كما لا يلزم صاحب الماشية، أن يسوق صدقته إلى الساعي- وهو جالس ببلده؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]، فوجب بظاهر قوله عز وجل أن تؤخذ الزكاة من المال، حيث هو إلا أن يبعد به، فيجب عليه أن يسوق زكاته إلى السعاة، أو يصطلح معهم على القيمة- كما قال، وخفف أخذ القيمة في ذلك، لما يخاف من انكسارها في جلبها؛ لأن إعطاء القيمة فيها شراء منه لها، ومالك يكره للرجل شراء صدقته- اتباعا لابن عمر في كراهية ذلك؛ ولقوله عَلَيْهِ السَّلَامُ: «العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه.
»
وقد روي إجازة ذلك عن عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وجماعة من السلف.
والوجه في إجازة ذلك، قصر الحديث على صدقة التطوع؛ لأنه خرج عليه، وذلك «أن عمر بن الخطاب كان حمل على فرس في سبيل الله، أراد أن يبتاعه من الذي كان عنده برخص، إذ كان قد أضاعه، فسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك، فقال له: لا تشتره- وإن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في صدقته، كالكلب يعود في قيئه».
وأيضا فإن الصدقة التي أعطى فيها القيمة، لم تتعين بعد للمساكين، ولا وصلت إليهم، فاشتراها منهم؛ وإنما اشتراها من الناظر لهم فيها، فهذا وجه تخفيف ذلك- والله أعلم.

.مسألة الساعي يأخذ من قوم ظلما هل لهم أن يحسبوا في صدقاتهم:

قال: وسئل مالك عن الساعي يخرج- قبل إبان خروجه، فيأخذ من قوم ظلما، أترى أن يحسبوا في صدقاتهم؟ قال: لا- وهو ظلم ظلموا به، وعليهم الصدقة إذا حل الحول.
قال محمد بن رشد: هذا مثل ما في المدونة، وفي رسم الجواب من سماع عيسى؛ وقد روى ابن وهب وابن أبي أويس عن مالك مثله، ورويا عنه أيضا أنه قال: تجزئه، وتلا قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} [الشورى: 42]؛ والقول الأول هو القياس؛ لأن الزكاة لا تجب إلا بمرور الحول، فإذا أخذها قبل الحول فهي مظلمة لا تسقط الزكاة الواجبة عليه بمرور الحول، وقد روى زياد، وابن نافع، عن مالك أنه سئل عن رجل أخذت منه زكاة مال لم تجب فيه الزكاة، أيجوز أن يجعله زكاة مال قد وجبت فيه الزكاة؟ قال: لا أرى ذلك، وهذا مثل الذي تؤخذ منه الزكاة قبل الحول، ووجه القول الثاني مراعاة قول من يقول: إن الزكاة تجب في المال ساعة يستفاد قبل أن يحول عليه الحول ولو أخذت منه زكاة زرع لم يبد صلاحه، لوجب ألا يجزئه باتفاق؛ إذ لا خلاف في أن الزرع لا تجب زكاته حتى يبدو صلاحه، وقد روى زياد، وابن نافع، عن مالك أن من أخذت منه زكاة زرعه قبل حصاده- والزرع قائم في سنبله، فإن ذلك تجزئ عنه- إذا لم يتطوع بها من نفسه، ومعنى ذلك- والله أعلم- إذا أخذها منه بعد أن أفرك قبل أن ييبس في المكان المختلف في وجوب الزكاة فيه- وبالله التوفيق.

.مسألة السعاة ينزلون بالرجل الموسر فيبيتون عنده ومن شأنه أن يصدق أهل تلك القرية:

ومن كتاب طلق ابن حبيب وسئل مالك:
عن السعاة ينزلون بالرجل الموسر، فيبيتون عنده- ومن شأنه أن يصدق أهل تلك القرية، وهو ممن يريد أن يصدق ماشيته معهم، فيضيفه ويذبح له، ولعله أن يستعير منه الدابة لبعض أصحابهم إلى قرية أخرى؛ قال: ما يعجبني ذلك، وإن فيه لوجها آخر خوفا من أن يرى من يقتدى به يفعل ذلك، ولعله أن يصح منه، فيقول قائل: قد كان فلان يفعل ذلك، فيجر ذلك إلى ما لا يحل ولا ينبغي، والدين مثل ذلك يستضيف الرجل أهل دينه، وأنا أكره ذلك؛ وقد كان بعض من أخبر عنه يكون عليه الدين، فإذا جاءوه أجازهم وهو لا يقضيهم دينهم، فهذا كله مكروه؛ قال ابن القاسم: حسبته ابن شهاب.
قال محمد بن رشد: الأصل فيما كره مالك للسعاة من هذا، ما روي «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعمل ابن اللتبية أحد الأزد- على صدقات بني سليم، فلما جاء وحاسبه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قال: هذا لكم، وهذا أهدي لي؛ فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ألا جلست في بيت أبيك وأمك- حتى تأتيك هديتك، إن كنت صادقا، ثم قام في الناس- خطيبا- فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد؛ فإني استعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله عز وجل، فيأتي فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي لي؛ أفلا جلس في بيت أبيه وأمه- حتى تأتيه هديته، والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه، إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته- إن كان بعيرا له رغاء؛ أو بقرة له خوار، أو شاة تيعر»- الحديث، فمبين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا الحديث وغيره، أن ما أعطي الساعي- بسبب سعايته- عليه حرام، فلا يحل له أن يستضيف من يسعى عليه، ولا يأكل له شيئا، وأما إذا نزل بالرجل الموسر الذي من عادته وشأنه أن يضيف كل من نزل به، فأضافه وذبح له، ورأى أنه لم يفعل ذلك به بسبب سعايته، وإنما فعله على عادته مع سواه، فذلك مما يكره له- مخافة أن يكون قد زاد في قراه على عادته بسبب سعايته؛ ولئلا يقتدي به غيره أيضا، فيكون ذلك ذريعة إلى استجازة ذلك ممن لا يصح منه ذلك الفعل؛ وكذلك هدية المديان جارية على هذا السبيل، لا يحل لمن عليه دين من بيع أو سلف، أن يهدي لمن له عليه الدين هدية، ولا أن يطعمه طعاما- رجاء أن يؤخره بدينه؛ ولا يحل لمن له عليه الدين أن يقبل ذلك منه- إذا علم ذلك من غرضه، وجائز لمن عليه الدين أن يفعل ذلك- إذا لم يقصد ذلك، ولا أراده وصحت نيته فيه، كما كان يفعل ابن شهاب؛ ويكره للذي له الدين أن يقبل ذلك منه، وأن يحقق صحة نيته في ذلك- إذا كان ممن يقتدى به، لئلا يكون ذريعة لاستجازة ذلك حيث لا يجوز؛ وهذا وجه رد عمر بن الخطاب هدية أبي بن كعب، إذ أسلفه فأهدى له هدية، إذ قد تحقق أن أبي بن كعب لم يهد له لمكان ما أسلفه ليوسع عليه في السلف، إذ ليس ممن يتهم في ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة استضافة السعاة:

ومن كتاب أوله سن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وقال مالك: لا أحب للسعاة أن ينزلوا بأحد فيستضيفونهم يأكلون طعامهم، ولكن يأكلون من أرزاقهم، قيل له: فيشرب الماء؟ قال: إن ذلك لخفيف.
قال محمد بن رشد: قوله: لا أحب للسعاة إذا نزلوا، لفظ فيه تجاوز، والمراد به لا ينبغي ذلك ولا يجوز، وقوله: في شرب الماء: إنه خفيف، يدل على أن أكل الطعام ثقيل فهو يبين أن لفظة لا أحب ليست على ظاهرها، وقد تقدم في الرسم الذي قبل هذا ما يبين هذا، وبالله سبحانه وتعالى التوفيق.

.مسألة سوق الناس إلى المصدق:

ومن كتاب أوله كتب على رجل ذكر حق:
وسئل مالك: عن سوق الناس إلى المصدق، فقال: لم يزل الناس يجتمعون على مياههم؛ فأما أن يساق عليهم من المكان البعيد، فلا أرى ذلك أن يشق عليهم ولا يضيق عليهم في السوق.
قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم حلف بطلاق امرأته ما يبين معنى هذه المسألة- والله الموفق.

.مسألة المصدق يمر بالماشية فيحصيها فيجدها لم تبلغ ما يجب فيه الزكاة:

وقال مالك في المصدق يمر بالماشية، فيحصيها فيجدها لم تبلغ ما يجب فيه الزكاة، فيرجع إليها بعد ذلك فيجدها قد بلغت بأولادها ما تجب فيه الصدقة؛ قال: لا ينبغي له أن يأخذ منها صدقة، ولا يأخذ منها شيئا؛ لأنه لا ينبغي للمصدق أن يرجع فيها، ولا يمر بها، ولا بما مر به من الماشية، ولا يمر على الماشية في العام الواحد إلا مرة واحدة.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن حول الماشية إنما هو مرور الساعي بها بعد حلول الحول عليها، فلو كان يرجع إليها بعد أن مر بها في ذلك العام، لم يكن لذلك حد، ولا انضبط لها حول، وهذا ما لا اختلاف فيه أعلمه وبالله التوفيق.